حوار: محمد البشتاوي
ينتمي الباحث والأكاديمي العراقي د. رشيد الخيُّون إلى «مدرسة المعلومة»، «التي توجه كتابتك، وتحدد أسلوبك وتوصلك إلى النتائج، لا منهج محدد، إنما مناهج متداخلة»، موضحاً في حديثه لـ «المجلة العربية» أنه لم يفهم البنيوية ولا التفكيكية، ويرى فيهما «لفظين قد يفيدان في الفن، لا في دراسة الفكر والتاريخ».
الخيُّون الذي دخل إلى التاريخ من بوابة «الهواية، والشغف بالجغرافيا»، ليقف لاحقاً مندهشاً أمام «الأثر التاريخي، أو الحكاية التاريخية»، يؤكد أن «كتابة التاريخ كي يُناسب وحدة الأمة العربية من سابع المستحيلات، فكل جماعة شيدت عمارة مجدها حسب مزاجها ومصالحها، لذا أرى أن يُحال التاريخ إلى مراكز الدراسات وبنوك المعلومات، واقتباس منه ما يُنعش إنسانياتنا»، وفيما يلي نص الحوار.
- ما الذي دفع بكَ نحوَ التاريخ والبحث في التراث؟
لا أتذكر دافعاً مباشراً بقدر ما بدأ الأمر على سبيل الهواية، والشغف بمادة الجغرافيا والتاريخ في المدرسة، ثم تطور الأمر إلى الدهشة أمام الأثر التاريخي، أو الحكاية التاريخية، وتذكر الأولين.
أستطيع القول كان الميل بلا مؤثرات، ربما يشبه الميل للفن، أو الخط، أو الشعر. أضيف إلى ذلك أن مادة التاريخ، كتاريخ سياسة، أم فلسفة، أم أفكار، تجعلك تعيش زمناً آخر، وتلوي لك تجاه الزمن، حتى تنظر المستقبل من الماضي، ففي أكثر من مرة أقول: «أنا متفائل بالماضي»،. صحيح أقولها على سبيل الهزل، أو المجاز، لكن على ما يبدو أنها نابعة من إحساس داخلي بصدقها.
ساعدت تلك الهواية تشجيع مدرس مادة التاريخ والجغرافيا في الابتدائية والمتوسطة. ثم تحولت إلى القراءة، والبدايات كانت مع جرجي زيدان، فحتى تهضم جواد علي مثلاً، عليك أن تبدأ بحكايات كحكايات زيدان، ومع بساطة هذا التأليف إلا أنه صار مدرسة لآخرين، مثل أمين معلوف على سبيل المثال، في هذا الفن، ويبقى الفضل للمتقدمِ. إلا أنني لا أعد هذا الضرب من الكتابة مفيد في العلم، والبحث بقدر ما هو يفيد المتعة لا أكثر.
- لماذا تخصصت أكاديمياً في «الفلسفة الإسلامية»؟
أخذت الفلسفة الإسلامية كتاريخ أفكار، وكنت أميل إلى دراسة تاريخ الفلسفة، وهو الذي يضعك، وإن حرصت على البعد عن الفلسفة، داخل بطنها، على شاكلة دخول أبي حامد الغزالي، المتوفى 505هـ، إلى بطن الفلسفة ولم يخرج منها، حسب ما ذَكر ذلك الفقيه ابن العربي، ونقل عنه ابن تيمية. لم أدخل الفلسفة الإسلامية إلا من بوابة علم الكلام، وقد تأثرتُ بما كتبه حسين مروة، المقتول 1987، في سفره «النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية»، وكما كتبه الباحث والمحقق ألبير نصري نادر في أكثر من كتاب، وهو نبهة إلى الخط الضعيف بين علم الكلام والفلسفة في كتابة «المعتزلة فلاسفة الإسلام الأوائل»، كان ذلك في نهاية الأربعينات أو بداية الخمسينات من القرن الماضي. ليس صحيحاً أن الفلسفة الإسلامية نسخة طبق الأصل للفلسفة اليونانية، وكذلك ليس صحيحاً أنها نقية بلا تأثر باليونان، أو الهند، إنما الأفكار شأن إنسان يتأثر، ويؤثر. أعجبني في الفلسفة الإسلامية التحدي من قبل الفلاسفة وغورهم في المخاطر، وهذا الشغف بالفلسفة الإسلامية قادني إلى تتبع جهود الفلسفة وتفاصيل حيوات شيوخهم في كتاب «معتزلة البصرة وبغداد»، ثم كتاب «جدل التنزيل وقضية خلق القرآن»، ثم «إخوان الصفا إعجاب وعجب». كذلك، كان التاريخ وراء الاهتمام بالفلسفة الإسلامية، ولا يتوهم من يقرأ تلك الفلسفة أنه سيكون فيلسوفاً، فالظرف الحالي لا يلد فلاسفة.
- ثمة عدة مناهج لقراءة التاريخ، فإلى أي مدرسة تنتمي؟
سُئلت هذا السؤال أكثر من مرة، ولم أجد نفسي قريباً من منهج دون غيره، مع ما يقودني البحث إلى المنهج التاريخي والاجتماعي، أما ما يصفونه بالبنيويات والتفكيكات وغير هذا، فأنا أعترف بلا ادعاء للتواضع أنني لم أفهم البنيوية ولا التفكيكية، وأراهما لفظين قد يفيدان في الفن، لا في دراسة الفكر والتاريخ. أتذكر أحدهم، قبل نحو عشرين عاماً نصحني أن أتخذ من البنيوية منهجاً، فطلبتُ منه شرحها لي، وبعد أن تحدث نحو نصف ساعة، وجدته تعب وأتعبني، ولم يصل إلى معلومة مفيدة، وهنا أسجل اعتذاري للبنيويين والتفكيكيين معاً. أقول: المعلومة أولاً وثانياً وثالثاً، فهي التي توجه كتابتك، وتحدد أسلوبك وتوصلك إلى النتائج، لا منهج محدد، إنما مناهج متداخلة. أقول المعلومة أولاً، وجدت فضائح في كتابة التراث، أتدري أن كتاب محمد شحرور السوري «السنة النبوية والسنة الرسولية» قد شُيد على معلومة خطأ، وهو لقاء الخليفة المنصور والشافعي الإمام، معتبراً الشافعي متملقاً أمام المنصور كشاعر، وبهذا انتهز الفرصة ليُشكل السمة النبوية. أسألك بالله هل تبني كتاباً كاملاً على شخصيتين من دون أن تبحث في حياتهما؟، كيف أصبح الشافعي انتهازياً للمنصور، وكان عمره ثمان سنوات عندما توفي المنصور؟، أقول مَن يخطئ في ذلك كتبه كافة تحتاج إلى تدقيق ومراجعة.
الحفاظ على المعلومة
- ما تأثير المؤرخين العراقيين المعاصرين أمثال جواد علي وعبدالعزيز الدوري وعبود الشالجي..إلخ، عليك؟ وما طبيعة هذا التأثير؟
نعم هناك تأثير، ليس عليَّ فقط إنما على كل من اشتغل في التاريخ والفكر من العراقيين والعرب، أول ما تعلمته منهم الحفاظ على المعلومة وتوثيقها، وعدم التسرع في إطلاق الحكم وفقها، ومحاولة الحيادية قدر الجهد، كما أن قراءة جواد علي والدوري تعلمك التواضع، وتؤكد لك أجمل القول: «كل ذي علم عليم». أما عبود الشالجي فكان معلماً في التحقيق وقراءة التراث.
- هل أسهمت أمهات الكتب في التاريخ في حالة الفوضى العربية الراهنة؟
ليس فيها كلها، إنما في الحالة الدينية، والمذهبية، فما جاء في أمهات التاريخ من أخبار حرص المؤرخ على نقلها، ولم يتعصب لها آنذاك، وعلى وجه الخصوص مؤرخي التاريخ العام، فلو سمع غيرها لنقضها، بل إن الطبري المتوفي في 310هـ يأتي بالرواية من عدة وجوه، وكثيراً ما تجدها متناقضة، أو متداخلة.
مثلاً: مرت على العديد من المؤرخين في الفتوح تناقض رواية فتح مصر السنة 20 أو 25هـ إلا ابن الأثير، المتوفى 630هـ، قال كيف ذلك وأن عام الرمادة كان (18) للهجرة، وقد جاءت الميرة من مصر إلى المدينة. بمعنى أنها ليست مقدسات لكن استلهامها كان مقدساً، فصار التعصب على ما في صحفها الصُّفر من أخبار جماعات ومذاهب. مع عدم إغفال أن الحالة الدينية، بمنطقتنا، توجه الحياة، لذا لا يتم التنوير ولا التجديد في الحياة بلا تنوير أو تجديد ديني.
على أي حال؛ تحول ما في أُمهات التاريخ إلى وقائع، من الصعب الطعن بها، فالتاريخ المكتوب يوجهنا، مع ما تغلفه من الحكايات المبنية على العواطف، في الغالب منها، أما الوقائع فربَّما شأنها آخر. وعلى حد قول القائل:
سارت مغربة وسرتُ مشرقاً / شتان بين مشرقٍ ومغربِ
- على العكس من ذلك، هل يمكن للتاريخ العربي أن يكون عامل وحدة للأمة؟
في حالتنا لا يمكن أن يكون كذلك، بل إنه عامل فِرقة، فالمذاهب شيدت على أساس التاريخ المكتوب المملوء بالخصومة، وقد صنعته السياسة وحوادثها الجسمية. فأنا مع الشاعر محمد بحر العلوم، وما قاله في قصيدته «بعض العقائد» (1934):
إن كدرت نُدب الزَّمان صفاءنا
فلنا بدفن الماضيات صفاء
أما أن تعاد كتابة التاريخ كي يُناسب وحدة الأمة العربية فهذا من سابع المستحيلات، فكل جماعة شيدت عمارة مجدها حسب مزاجها ومصالحها، لذا أرى أن يُحال التاريخ إلى مراكز الدراسات وبنوك المعلومات، واقتباس منه ما يُنعش إنسانيتنا.
- «لا حضارة تاريخية في الجزيرة العربية قبل الإسلام». هذا ما يقوله بعض الباحثين المعاصرين؛ فكيف تعاين هذه المقولة؟
- أولاً من هم هؤلاء الذين وصفتهم بالباحثين؟ هؤلاء ولا أريد ذكر أسماء، إنما ظواهر صوتية، يقولون بلا معلومات، من يقرأ «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» لا يلتفت إلى تلك الأصوات.
الاعتماد على الأثر
- ما أهمية مؤلفات الدكتور جواد علي؟
هل لي أن أسأل عن أهمية الماء؟، إذا كان ذلك جائزاً فيمكن جواز السؤال عن أهمية مؤلفات جواد علي للمشتغل في مجال التاريخ وللقارئ. مع ذلك سأجيبك. صحيح أن دراسات أركيولوجية حديثة استجدت بعد جواد، لكنها لم تتجاوزه، بل لم تخل دراسة منها من الاتكاء على مُفَصله وبحوثه الأُخر، أهم ما في دراسات جواد علي أنه أكد وجود حضارة عربية إنسانية بالجزيرة واليمن والشام والعراق قبل الإسلام، وبهذا سلط الضوء على مفهوم الجاهلية السلبي. فالمنطقة لم تكن غائرة في رمال البداوة العمياء. الأمر الآخر فتح لنا جواد علي باب الاعتماد على الأثر في كتابة التاريخ خارج علم الآثار، وأول تلك الآثار «النقوش»، وأراه رسم خارطة لدراسة التاريخ عبر تلك النقوش. من جانب آخر رد على المستشرقين، أقصد وهو يقصد، الفئة المشككة بوجود تاريخ المنطقة الحضاري. أقول: مَن يقرأ السيرة النبوية بقلم جواد علي لا أظنه سيقرأ غيره من المعاصرين في هذا المجال.
- هل ترى من ضرورةٍ في إعادة نشر مؤلفات الراحل جواد علي كما في «المجلة العربية» في كتاب «موارد تاريخ الطَّبري»، و«الآثار العربية، منتخبات» لمكتبة الإسكندرية؟
نعم، حسناً فعلت المجلة العربية، وكانت السابقة في جمع بحوث جواد علي لتظهر له كتاب «موارد الطبري»، وقد كتبتُ عنه في حينه في «مجلة المجلة» على ما أتذكر. أما ما أخرجته مكتبة الإسكندرية فكان في مجلدين.
- يلاحظ أن المؤرخ الراحل علي لم يحظَ باهتمام عراقي رسمي يليق بمكانته وبعلمه، في حياته، وبعد مماته، كيف تعلق؟
علقتُ في حينها على صفحات «الشرق الأوسط»، العام 2007، أي في مئويته، وكان تحت عنوان «جواد علي.. لا غرابة بإهمال مئويته». ومما جاء فيه: «إن نسيان، أو تناسي، مناسبة مثل مئوية المؤرخ جواد علي تعلمنا أكثر من أمر: منها تصفية وزارة الثقافة يوم سلمت قيادتها إلى المتطاحنين طائفياً، بين جهل وغرور وطاووسية فارغة. قيادة صعب عليها الخروج من القمقم، ولم يكن وضعها الحالي بعيداً عن تحويلها إلى دائرة مناسبات، ليس لجواد علي محل فيها. ومنها أيضاً محاولة إحلال ثقافة أخرى، لا تنتج بحثاً وشعراً وعلماً، بقدر ما تكرس وسائل تغييب العقل، والإيغال في التجهيل، إلى أبعد حدوده. ثقافة ليس فيها برزخ بين الأصيل والطارئ، بين ما ينتجه الشارع تحت ضغط الحياة، وإرث الفترة السابقة، وتحت توجيه الفقيه، الذي يمتلك باسم الدين السطوة على العقول، ومثلما كان لا صلة بين جدران وزارة الثقافة وصور القائد الضرورة غدا نشازاً أن تحاط وزارة الفنون والآداب بصور لا يُراد منها سوى الهيمنة، مع اختلاف غطاء الرأس».
- ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء تأليف كتابك «أثر السود في الحضارة الإسلامية»؟
هذا الكتاب من أحب الكتب إلى نفسي، بعد كتاب «الأديان والمذاهب بالعراق ماضيها وحاضرها- الموسوعة الكاملة»، بحث قضية مفصلية في حضارة الإسلام، وللأسف لم يجد طريقه إلى المكتبات، وظل محصوراً بمعروضات مكتبة الملك عبدالعزيز، التي كلفتني بتأليفه.
أول المشاكل التي واجهتني كانت وفرة المصادر، وهذا أمر عادي في تأليف أي كتاب غير تقليدي، يبحث عن قضية اجتماعية وحضارية مهمة، الأمر الثاني غرابة الموضوع من قبل العديدين، فالبعض مازال يؤثر عليه لفظ اللون الأسود، على أنه إهانة لفئة اجتماعية، مع أنه لون السيادة، ولون الإمبراطورية العباسية، والأسود يعتز بلونه، وإن اللون الأبيض ليس امتيازاً إلهياً، بقدر ما هو خيار المناخ، وقد قالها مؤرخون وبلدانيون مسلمون. لهذا أُحجم على ما يبدو في الكتابة عنه في العديد من الصحف، هذا مجرد توقع، وربما يكون خاطئاً.
- ما أهمية هذا الكتاب؟ وكيف تقرأ تهميش هذه الفئة في التاريخ المعاصر؟
تأتي أهمية هذا الكتاب من موضوعه نفسه، وكان التكليف بتأليفه له علاقة بتنصيب أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعد كسراً فعلياً، وليس قانونياً فقط للتمييز العنصري.
إن مشكلة الأسود، وعلى وجه الخصوص بمنطقتنا، بلونه حتى بعد العتق وإلغاء العبودية، بينما الرقيق الأبيض يختلط في لحظة عتقه. وجدت بين السود عظماء في الفقه والحُكم والعِلم والفن وبينهم أطبع الشعراء، أما الآن فالدنيا قد تغيرت، والنظرة تجاههم صارت معينة، وإن وجدت لا يُصرح بها عالياً.
الحراك الثقافي في العراق
- كيف ترى صورة المثقف في العراق اليوم؟ وهل يمكن أن يولد «حراك ثقافي» مؤثر في مواجهة الفوضى والانقسام؟
لاشك أن وضع العراق وصل إلى أسفل الدرك، لكن مع ذلك المثقفون هناك ينازعون من أجل الحياة، والحراك الثقافي المدني يتصادم يومياً مع حراك الأحزاب الدينية وموانعها الكثيرة. مازالت الثقافة، خارج السلطة، موحدة، لأنها إنسانية. صحيح هناك مثقفون طائفيون، غير أن هؤلاء انتزعت عنهم صفة الثقافة، وتحولوا إلى المنصة الدينية الحزبية، في شكل من الأشكال.
أقصد بحراك الشباب الذين يشكلون باستمرار منتدياتهم ومؤسساتهم، ومهما كانت بسيطة لكنها تواجه وبقوة الوضع المزري، وأنا وغيري على اتصال مستمر بهم، بل هم الذين يبحثون عنا، لحماستهم في الفعل الثقافي.
- العراقي شاعرٌ بالفطرة، وأنت كتبت القصائد، فلم فارقتَ «ديوان العرب»؟
لم أنشر قصائد، ولم أفلح بالشعر القريض، أو الحر، إنما كنت في بدايات قائل (وليس كاتب) قصائد نبطية أو شعبية ما زلت أعتز بها، ولا يسمعها مني غير حلقة الأصدقاء الضيقة جداً. فمَن يفتح عينه على شعر محمد مهدي الجواهري سيحسب ألف حساب لقول بيت شعر، بل وفي حالتي لا يفكر بالشعر، ألا يكفي البحث في التراث الاجتماعي والفلسفي شغلاً؟ ماذا يقال بعد أن قال الجواهري عن نفسه، وأراه كان منشداً بالحق:
كلما حُدثتُ عن نجمٍ بدا
حدثتني النَّفس أن ذاك أنا
- يختزلُ البعض، نقاداً، ومثقفين، أدب العرب تاريخياً في الشعر، مهملين بذلك مكانة السرد والنثر، فماذا تقول في ذلك؟
نعم، كان ذلك في التاريخ؛ فالثقافة العربية الغالب عليها الشعر، والمعلقات السبع، أو العشر تشهد بذلك، وأن توجيه الاتهام إلى الرسول الكريم، ومحاولة مضاهاة القرآن فكانت بالشعر أيضاً، تقول الآية: «بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ»(الأنبياء: 5).
اسم واحدة من أكبر السور القرآنية «الشعراء»، والمقولة معروفة «الشعر ديوان العرب». لكن أي شعر كان؟ الشعر الذي احتوى الثقافة والفكر وعكس الحياة العامة بكل وجوهها.
لا أظن هناك أمتن صياغة وفكراً من الدعوة إلى السلام مثل قصيدة زهير بن أبي سُلمى، المتوفى قبل الهجرة النبوية، وصاحب المعلقة المعروفة. هذا في الماضي، أما الحاضر فشأنه آخر، نرى الثقافة قد تعددت الوجوه والأساليب، ولم يبق الشعر هو السائد فيها. مع طغيان الشعر هناك أدب منثور، وأعود مرة ثانية لجواد علي وما جمعه وحلله من ذلك العطاء الثقافي.
- تصاعد الخطاب الشعبوي، واليميني المتطرف في الغرب عموماً، مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؛ فما انعكاسات ذلك على الجاليات المسلمة في الغرب؟ وهل سنشهدُ تغذية لـ"الإسلام فوبيا"؟
أرى في السؤال قفزة إلى السياسة، وأنا لستُ منها، مع ذلك سأجيب بما يراودني من أفكار. أختلف مع وصف انتخاب ترامب بالشعبوي، وهل انتخاب أوباما، أو قبله جورج بوش الابن تم من الأسياد فقط، فمر تفكير الأسياد أم انصاع إلى رأي الشارع، أو مثلما تفضلت الرأي الشعبوي.
أجد في هذا التعبير معاندة للواقع وتشويهاً. وأنا بدوري أسأل السؤال: لماذا كان بوش أرستقراطياً ديمقراطياً وأصبح ترامب، وهما جمهوريان، شعبوياً دكتاتورياً؟، مجيء ترامب وحملته ضد الإرهاب، بالمنطقة، أمر طبيعي بعد السياسات التي خذلنا فيها، نحن العراقيين على وجه الخصوص، أوباما، ولو فازت هيلاري لازدادت أسلمتنا وانتعش الإسلام السياسي، بعذر أن الإخوان وحزب الدعوة وحتى حزب الله يمثلون الإسلام المعتدل.
لقد أحاط بنا اليأس خلال سنوات أوباما وننتظر من ترامب تحجيماً للقوى الدينية والعنف الديني والفساد الطاغي داخل العراق.