تضم وثائق الأرشيف العثماني معلومات غزيرة عن الخيول والإبل في الجزيرة العربية، ولا سيما في منطقة نجد، التي تتميز بكونها موطن الخيول العربية الأصيلة، كما هي موطن الإبل.
ويأتي اهتمام العثمانيين بالخيول والإبل لا لكونها مجرد أداة للزينة والتفاخر؛ وإنما لكونها حاجة من حوائج الجيش - على وجه الخصوص - في تنقلاتهم بين مختلف المناطق الخاضعة لنفوذهم. وتزداد تلك الحاجة في وقت الأزمات والحروب، ويصبح إحراز النجاح والتقدم متوقفاً على ما يتم توافره من الخيول والإبل؛ لحمل العساكر إلى الجهة التي يتوجهون إليها، ونقل مؤنهم وعددهم بها، واستخدامها في المعارك التي يخوضونها. فالإبل والخيول إذن وسيلة نقل برية وحيدة في العهد السابق لا غنى عنها للحركة والتنقل في المنطقة، وتتوقف عليها الحركة العسكرية كلياً . ومن هنا فيمكن القول إن الوثائق العثمانية التي تتحدث عن الأعمال العسكرية في الجزيرة العربية، ولا سيما المناطق الداخلية منها، لابد وأن تورد معلومة ولو بسيطة عن الإبل والخيول؛ إما للانتقال بها، أو لحمل المؤن والعتاد عليها، أو الاستيلاء عليها ونهبها، أو لذبحها والاستفادة من لحومها. وتظهر تلك الحاجة للإبل في العديد من الخطابات من ذلك الخطاب الذي وجهه محمد علي باشا إلى الباب العالي بتاريخ (27 صفر 1229هـ/1814م) ذكر فيه أنه بالنظر لعدم تمكن جيشه من توفير العدد الكافي من الإبل في الحجاز والقبائل القاطنة فيها، اضطر إلى انتداب أحد المسؤولين إلى بر الشام وحلب لتوفير عدد من الإبل، حيث ذكر أن المسؤول تمكن فيها من شراء ثلاثة آلاف رأس من الإبل، مشيراً إلى أن خمسمائة رأس منها هلكت في الطريق إلى الحجاز. كما تحدث من جهة أخرى إلى الحاجة إلى أناس متخصصين في التعامل مع الإبل، وأن ذلك ليس بالأمر اليسير . وقد وصلت الحاجة في وقت من الأوقات (عام 1229هـ/1814م) إلى خمسة عشر ألف جمل. وهذا يدل على أن كثيراً منها كانت تهلك في الحروب والغزوات، على الرغم من العدد الكبير للإبل في الجزيرة العربية. حيث أورد حسين حسني إحصاءً بعدد الإبل في نجد وحدها بمليونين ونصف المليون رأس. وقد ذكر حسين حسني ضمن المعلومات التي أوردها عن الخيول والبغال أن فرس البدوي أغلى من أهله. فهو يربيه معه في خيمته. ولا يظهره لأحد. وإذا طُلب منه بيعه، فإن ذلك يزعجه كأن يطلب منه روحه. وإذا اضطر إلى بيعه باعه؛ لكن بشرط أن يبقى فحل من نسله حصة لـه. بحيث يحصل فيما بعد على وليد أنثى منه. ومن جهة أخرى فإنه بسبب الاعتماد على الإبل في الحمل ونقل البضائع والمؤن، فقد أصبحت لفظا "حمل بعير" ترد في العديد من الوثائق العثمانية، كما هو شائع في الأصل العربي؛ وذلك للدلالة على كمية معينة من الأحمال التي تقدر الواحدة من الإبل على حملها.
كما تضمنت التقارير والمراسلات المتبادلة بين قيادات الجيش العثماني في المنطقة وبين الباب العالي معلومات عن الإبل والخيول التي تم الاستيلاء عليها أثناء الحملة على بعض القبائل في الجزيرة العربية. ولا شك أن التركيز على نهب الإبل والخيول من القبائل كان يرمي إلى شل القبيلة عن الحركة؛ حتى لا تستطيع أن تقاوم، أو تغزو قبيلة أخرى، أو تنتقل بسرعة إلى مكان آخر، بعيداً عن أنظار الجيش.
وبناءً على ما لاحظته السلطات العثمانية من تصدير للخيول العربية الأصيلة من نجد إلى أوربا، فقد وضعت حظراً عليه، وفرضت قيوداً شديدة على الأوربيين القادمين إلى المنطقة؛ لشراء الخيول الأصيلة وتهريبها إلى أوربا( )؛ خوفاً من انقراضها.
وبناءً على ما سبق من معلومات مقتضبة فإن بحث موضوع الإبل والخيول من خلال وثائق الأرشيف العثماني من الموضوعات الشيقة التي تكثر وثائقها في ذلك الأرشيف، سواء من حيث الحاجة إليها في الاستخدام اليومي في العصور، أو من حيث إحصاءاتها والضرائب المأخوذة عنها، أو الأمراض التي كانت تصاب بها وعلاجها بالطب الشعبي. كما أن هناك معلومات قيمة أوردتها وثائق الأرشيف العثماني عن الخيول التي كان شيوخ القبائل يهدونها للسلطان العثماني في مختلف الفترات، وكيفية نقلها إلى إستانبول. يضاف إلى ذلك ما يرد من معلومات حول الناقة المبروكة التي كانت تجوَّل في شوارع إستانبول بعد حملها وتزيينها؛ رمزاً للصرة الهمايونية التي ترسل إلى أهالي الحرمين الشريفين.